موقع متخصص بالشأن التربوي اللبناني

مجزرة بنت جبيل… ودقيقة صمت لا تفي حق الشهداء

الأربعاء 24 آب 2025

مرّة جديدة، يدفع لبنان وأطفاله ثمن العدوان الإسرائيلي المتكرر، وهذه المرة في مدينة بنت جبيل الجنوبية حيث ارتكبت آلة الحرب الصهيونية مجزرة مروّعة أودت بحياة خمسة شهداء بينهم أطفال أبرياء. جريمة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الفاضحة للسيادة اللبنانية وللقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، لتكشف أن الاحتلال لا يتوقف عن استهداف البشر والحجر، ولا يتورع عن تحويل المنازل الآمنة إلى مقابر.

لكن ما يثير التساؤل أن الموقف الرسمي لوزارة التربية والتعليم العالي، رغم إدانته للجريمة، اختصر الفاجعة بدعوة المدارس والمعاهد إلى التوقف دقيقة صمت في بداية اليوم الدراسي. دقيقة واحدة فقط أمام دماء أطفال سُفكت ظلماً، وأمام مشهد عائلات أُبيدت تحت الركام.

فهل تكفي لحظة صمت عابرة لمواجهة سياسة قتلٍ ممنهجة تستهدف براءة الأطفال وتستبيح القوانين والمواثيق الدولية؟ وهل من المنطقي أن تساوي وزارة التربية بين مأساة بهذا الحجم وبين لفتة رمزية لا تتجاوز الستين ثانية، وكأن الجرح يمكن تضميده بمجرد وقفة قصيرة تعود بعدها الحياة إلى روتينها العادي؟

إن ما جرى في بنت جبيل ليس حادثاً عابراً ليُختزل في إجراء شكلي، بل جريمة حرب تستدعي موقفاً أشد قوة وعمقاً، يترجم إلى خطوات فعلية تعزز ثقافة المقاومة والصمود، وتُشرك الطلاب في فعل وطني جامع يُبقي القضية حيّة في وجدانهم. فالاقتصار على دقيقة صمت لا يوازي حجم الفاجعة، بل يهدد بتحويل دماء الأطفال إلى مجرّد خبر عابر في سجلات الأيام.

المطلوب أن تكون المدرسة مساحة فعل وتعبير، لا مجرد مكان يُفرض عليه الصمت. أن تكون منبراً يحفظ أسماء الشهداء، ويروي قصصهم، ويرسّخ في أذهان الأجيال أن العلم نفسه فعل مقاومة، لكنه لا ينفصل عن الذاكرة ولا عن الموقف.

إن مجزرة بنت جبيل تستحق أكثر من دقيقة صمت. تستحق أن تتحول إلى صرخة تربوية ووطنية ضد القتل الممنهج وضد استهداف الأطفال. فالسكوت لحظة واحدة لا يليق بأرواحهم، بل يليق بهم أن يتحولوا إلى أيقونات مقاومة، وأن يكون دمهم حاضراً في كل حصة ودرس، لا في دقيقة واحدة تنتهي مع دق الجرس.