موقع متخصص بالشأن التربوي اللبناني

مفتشون ينتظرون العبور: ملفٌ عالق في دهاليز الإدارة والطائفية

الخميس 24 تموز 2025

بينما يتراجع أداء الرقابة التربوية تحت وطأة النقص الحاد في الكادر، يقف 21 أستاذاً ناجحاً في مباراة رسمية منذ عام 2017 على هامش القرار الإداري، مجمّدي المصير رغم شرعيتهم القانونية. لم يُسمح لهم بالالتحاق بجهاز التفتيش التربوي، ليس بسبب قصور في الكفاءة، بل نتيجة صراع غير معلن بين السياسة والإدارة، يتلطى خلف مبررات قانونية وتوازنات طائفية.

قراران حكوميان… ولا تنفيذ

في نيسان وتموز من عام 2020، صدرت قرارات حكومية واضحة (القرار رقم 5 والقرار رقم 22) قضت بتعيين الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية ونقلهم من ملاك التعليم إلى ملاك التفتيش المركزي. ومع ذلك، بقيت هذه القرارات حبراً على ورق. فالمفتشون الذين خضعوا لمباراة وطنية منذ أكثر من سبع سنوات، لا يزالون ينتظرون التنفيذ، وكأن القانون مجرّد اقتراح اختياري.

رئيس التفتيش يرفع البطاقة الحمراء

رئيس هيئة التفتيش المركزي، جورج عطية، رفض التعيين رغم صدور القرار عن مجلس الوزراء، ووجّه اعتراضاً إلى رئاسة الحكومة في أيلول 2020، أي بعد انقضاء المهلة القانونية للاعتراض، مما يضع موقفه موضع تساؤل. عطية برّر رفضه بأن التعيين يُخالف حاجات التفتيش التربوي ويُشكّل عبئاً مالياً، مشيراً إلى أن لائحة الناجحين انتهت صلاحيتها بعد سنتين من إعلان النتائج.

الناجحون يتحرّكون… والملف يعود إلى الطاولة

بعد سنوات من الانتظار، بدأ الناجحون تحركاً مباشراً باتجاه رئاسة الحكومة، حيث عقدوا اجتماعاً مع أحد مستشاري رئيس الوزراء نواف سلام، في محاولة لكسر الجمود، وهم بانتظار لقاء مباشر مع الرئيس لعرض تفاصيل قضيتهم. يؤكد هؤلاء أن ما يمنع تعيينهم ليس قانوناً ولا نقصاً في الحاجة، بل تعقيدات طائفية وإدارية لا تزال تسيطر على مفاصل القرار.

تناقض في المعايير: لماذا يُطبّق الاستثناء على البعض فقط؟

يشير الناجحون إلى أن ما يُسمّى “فائض” لم يُعتبر عائقاً في حالات أخرى، كالتعيينات في ملاك التعليم الثانوي التي شملت عدداً أكبر بكثير. فلماذا يُعد تعيينهم هم بمثابة “تعيين جديد” ويُرفض تحت ذريعة الحظر الوظيفي؟ وهل يمكن للدولة أن تتبنّى معيارين مختلفين في فترة زمنية واحدة تجاه فئتين خضعتا للشروط نفسها؟

مهمة المفتش لا تقتصر على الاختصاص

من الحجج المتداولة في وجه تعيينهم، القول إنهم فائضون في الاختصاص. لكن واقع عمل المفتش التربوي لا يركن إلى التخصص الأكاديمي وحده، بل يشمل الرقابة على النواحي التربوية والإدارية والمالية في المدارس والثانويات الرسمية. أي أنّ المطلوب هو مفتش تربوي شامل، وليس فقط متخصصاً في مادة بعينها، كما تؤكد مصادر متابعة للملف.

المهل القانونية: مجمدة بحكم الظروف الاستثنائية

في وجه الحجة القائلة بانتهاء صلاحية لوائح الناجحين بعد عامين، يبرز قرار مجلس الوزراء رقم 160 الصادر في أيار 2020، والذي علّق كل المهل القانونية والقضائية والعقدية بفعل الظروف الاستثنائية التي مر بها لبنان. وبالتالي، فإن المهل الزمنية لا يمكن اعتبارها حجة صالحة لإلغاء حقوق مكتسبة بموجب قرارات حكومية قائمة.

خسارة مزدوجة: طاقات معلّقة وتفتيش منهك

الخسارة اليوم ليست فقط في تأخير تعيين 21 مفتشاً ناجحاً، بل أيضاً في استمرار استنزاف جهاز التفتيش التربوي الذي فقد منذ عام 2012 أكثر من 38 مفتشاً بين عام وعام معاون، من دون أي تعويض يُذكر. هذا في وقت تتعاظم فيه حاجة الرقابة إلى ضخ دم جديد لضمان جودة التعليم الرسمي ومحاسبة المقصرين.

ختاماً: من يحسم؟

في ظل التجاذبات، يتساءل الناجحون والمهتمون بالشأن التربوي: من يحسم هذا الملف؟ هل يبقى رهينة المواقف المتضاربة بين المؤسسات؟ أم أن رئيس الحكومة سيتخذ موقفاً حاسماً يعيد الاعتبار لمبدأ الاستحقاق والعدالة الإدارية؟ الوقت لا يعمل لصالح أحد، لا الإدارة التربوية، ولا القانون، ولا العدالة.

لبنان لا ينقصه الناجحون، بل الإرادة لتكريم نجاحهم.