التعليم في لبنان: أزمة مستمرة وغياب الاستجابة الفعّالة في ظل الظروف الاستثنائية
الجمعة 27 كانون الأول 2024
أدى التصعيد المستمر في الأوضاع الأمنية في لبنان إلى تحديات غير مسبوقة في قطاع التعليم، الذي بدأ يواجه أزمة حقيقية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول 2023. وعلى الرغم من المحاولات المتعددة من قبل وزارة التربية والتعليم اللبنانية للتعامل مع الوضع، إلا أن الحلول التي تم تبنيها كانت غالبًا غير كافية وغير مستدامة، ما انعكس بشكل سلبي على سير العملية التعليمية في مختلف المناطق اللبنانية، وخاصة في القرى الحدودية والمناطق المتضررة من النزوح والدمار.
بداية عام دراسي معلق في ظل الحرب
لم يكن العام الدراسي 2023-2024 في لبنان بداية طبيعية. فقد وقعت الوزارة في مأزق منذ اليوم الأول عندما قررت تأجيل بداية العام الدراسي بعد اندلاع الحرب في غزة، مما أضر بأوضاع الطلاب والأساتذة في المناطق الحدودية، حيث تم إغلاق العديد من المدارس وتحويلها إلى مراكز لإيواء النازحين. لم تكن هذه الخطوة كافية لمواكبة حجم الأزمة، إذ لم يتسنَّ للطلاب الذين كانوا يقطنون في مناطق النزوح الانضمام إلى المدارس الرسمية التي تم تعطيلها، كما لم يكن هناك أي خطة حقيقية لتفعيل التعليم عن بُعد بشكل فعّال في تلك الفترات الحرجة.
خطة استجابة معطلة: تكرار للأخطاء
منذ بداية الأزمة، كان من المتوقع أن تتحرك وزارة التربية بسرعة لوضع خطة استجابة لتأمين التعليم في المناطق المتضررة. ورغم أنه تم الإعلان عن خطة لتعليم حوالي عشرة آلاف طالب، مع تخصيص مراكز تعليمية في مناطق مثل صيدا والجنوب وبيروت، فإن هذه الخطة لم تحقق أهدافها. انتشار النزوح بشكل عشوائي في مناطق مختلفة من لبنان جعل من المستحيل على الطلاب الانتقال إلى هذه المراكز، في وقت كان يجب فيه على الوزارة التحرك بشكل أكثر مرونة. وبدلاً من ذلك، استمرت المدارس في إغلاق أبوابها أو تحول بعضها إلى مراكز إيواء، ما أسهم في تفاقم الأزمة.
التعليم في ظل غياب الاستعداد: امتحانات تفضح الواقع
رغم جهود الوزارة لتحديد آلية امتحانات خاصة بالمناطق الحدودية، لم تتمكن من توفير مستوى تعليم موحد أو عادل لجميع الطلاب. في تموز 2024، تم خفض المناهج في الجنوب، وتم اعتماد أسئلة اختيارية لتناسب الطلاب الذين تعرضوا لظروف استثنائية. لكن هذا التعديل لم يكن كافيًا لتجاوز الفجوة التي خلقها النزوح والدمار. نتائج الامتحانات لم تكن فقط مخيبة للآمال بل كشفت عن ضعف في التنفيذ ومحدودية الحلول التي قدمتها الوزارة.
حلول مؤقتة والتحدي الأكبر: العودة إلى التعليم الحضوري
مع بداية العام الدراسي الحالي، كانت وزارة التربية أمام تحدٍ أكبر، خاصة بعد أن توسعت الحرب على لبنان وشملت المزيد من المناطق. ورغم أن بعض المدارس الخاصة بدأت عامها الدراسي عن بُعد أو بحضور جزئي، كانت المدارس الرسمية في معظم المناطق المتضررة إما مغلقة أو غير قادرة على استئناف العمل بسبب الأضرار الناجمة عن القصف والنزوح.
وفي محاولة للتعامل مع هذا الواقع، قدمت الوزارة خطة لتوزيع الطلاب في مراكز مؤقتة على دفعات وبنظام المداورة، حيث حددت أيام دراسية ثلاثة أيام أسبوعيًا. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الخطة قد وجدت تجاوبًا كافيًا من قبل معظم المدارس، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا. التحدي الأكبر كان في القرى الحدودية والضواحي الجنوبية التي عانت من دمار واسع، ما جعل من الصعب إصلاح المدارس أو تأمين بيئة تعليمية ملائمة.
غياب الرؤية الاستراتيجية والمستقبل المجهول
ما يثير القلق أكثر هو غياب خطة شاملة وطويلة الأمد من قبل وزارة التربية لمواكبة الوضع المتغير باستمرار في لبنان. فبدلاً من أن تتبنى الوزارة استراتيجيات مرنة تسمح بالاستجابة السريعة للأحداث الطارئة، بقيت الحلول المقدمة عشوائية وغير فعّالة. إذ اقتصرت معظم الحلول على تمكين التعليم في بعض المناطق الآمنة جزئيًا أو تقديم استجابات آنية لا تعالج جوهر المشكلة.
أما بالنسبة للمدارس التي تعرضت للتدمير أو التي لم تعد قادرة على استقبال الطلاب، فلم تتمكن الوزارة من إيجاد حلول سريعة. حتى بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، استمر العديد من الطلاب في تلقي التعليم عن بُعد، بينما ظل مصير المدارس التي تحتاج إلى إعادة إعمار غير واضح.
الحلول المستقبلية: ضرورة تغيير المسار
لعل الدرس الأكبر الذي يمكن استخلاصه من تجربة التعليم في لبنان في ظل الأزمات المستمرة هو ضرورة تغيير النهج المتبع. يجب على وزارة التربية أن تتحرك نحو تطوير نظام تعليمي مرن وقادر على الاستجابة الفورية لأي طارئ. على الحكومة اللبنانية أن تضع استراتيجيات واضحة لإعادة تأهيل المدارس المدمرة وتوفير بيئة تعليمية مستقرة وآمنة لجميع الطلاب، بغض النظر عن الظروف الأمنية أو الجغرافية.
في ظل هذه الظروف الاستثنائية، يتعين على لبنان أن يعيد التفكير في كيفية ضمان حق جميع الطلاب في التعليم، سواء في ظل الحروب أو الأزمات الإنسانية. دون حلول جذرية، ستظل الفجوة التعليمية تتسع، وتظل الأجيال القادمة تواجه تحديات أكبر.