موقع متخصص بالشأن التربوي اللبناني

كرامي من الضنية: الإصلاح التربوي يبدأ من المدرسة الرسمية ولبناء منظومة قائمة على الجودة والحوكمة

السبت 13 كانون الأول 2025

رعت وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي لقاءً تربويًا بعنوان على طريق النهوض في التربية والتعليم عرض للأزمات واقتراح الحلول، في مجمع الضنية للرعاية والتنمية دار الأيتام في بلدة سير ـ الضنية، بدعوة من المؤسسة العالية للبحث العلمي وجمعية أبناء الضنية الخيرية في سيدني – أستراليا، وبمشاركة أفراد الهيئة التعليمية من مدراء ومدرسين في مختلف المراحل. وحضر اللقاء النائبان السابقان أحمد فتفت وسامي فتفت، إلى جانب فاعليات سياسية وتربوية ودينية واجتماعية، ورؤساء بلديات ومخاتير ومهتمين.

وعُقد اللقاء على جلستين قبل الظهر وبعده، استُهل بالنشيد الوطني، ثم كلمة ترحيبية ألقاها مقدّم اللقاء محمد حندوش، تلتها كلمة للوزيرة كرامي تناولت فيها واقع القطاع التربوي والتحديات التي يواجهها.

وأكدت كرامي أن القطاع التربوي في لبنان تعرّض لأزمات غير مسبوقة، أبرزها الانهيار الاقتصادي، هجرة الكفاءات، ضعف البنى التحتية، اتساع الفجوة الرقمية، إضافة إلى الضغط الكبير الناتج عن استيعاب أعداد كبيرة من التلامذة النازحين بإمكانات محدودة. وأشارت إلى أن هذه الأزمات لم تضرب المدارس فحسب، بل طالت وزارة التربية نفسها، ما أضعف قدرتها على التنظيم والتخطيط والمتابعة، وأدى إلى تراجع جودة الخدمات وغياب الدقة والعدالة في تنفيذ القوانين.

واعتبرت أن المشكلة لم تكن في حجم الأزمة فقط، بل في طريقة إدارتها، من خلال اعتماد ردود فعل متسرعة وخطط قصيرة الأمد ومسارات متفرقة، ما حوّل الوزارة في بعض الأحيان إلى نقطة ضعف بدل أن تكون مظلة دعم وحماية للمدارس، وهو ما انعكس سلبًا على التلامذة والمعلمين والإدارات المدرسية.

وشددت كرامي على أنها اختارت منذ تسلّمها مهامها في الوزارة تحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، والانطلاق بإصلاح حقيقي يبدأ من المدرسة الرسمية ويمتد إلى كامل المنظومة التربوية. وأكدت أن المطلوب ليس المزيد من الشعارات أو الخطط النظرية، بل التزام مهني جدي يُحدث تحولًا عميقًا في ثقافة إدارة العمل التربوي، بحيث تصبح المدرسة مركز الإصلاح، وتتحول المساءلة المهنية إلى أداة بناء وتصويب، ويُعاد الاعتبار لدور المدير والمعلم كقادة تغيير في مجتمعاتهم.

وتطرقت الوزيرة إلى مقاربة تمام للتطوير المستند إلى المدرسة، التي شاركت في تطويرها على مدى سنوات كباحثة في الجامعة الأميركية في بيروت، معتبرة أنها نموذج لبناني أثبت قدرته على التشخيص والتحسين الذاتي، إلا أن الوزارة لم تتمكن سابقًا من احتضانه إداريًا، في حين جرى اعتماده ومأسسته بنجاح في سلطنة عُمان كنموذج وطني للتطوير التربوي.

وأشارت إلى أن تجربتها الأخيرة في سلطنة عُمان أظهرت كيف يمكن لمقاربة تربوية لبنانية أن تنجح عندما تتوافر الإرادة السياسية والإدارية لاحتضانها، في مقابل ضياع فرص مماثلة في لبنان منذ عام 2009 نتيجة غياب الرؤية المستدامة وتشتت المشاريع.

وأكدت كرامي ضرورة تحديث وتفعيل دور الإدارة التربوية، ولا سيما المناطق التربوية ومديريات الوزارة، لتحويلها من عبء على المدارس إلى جهة داعمة وممكِّنة، تقوم بمتابعة التطوير وفق معايير واضحة للجودة والمساءلة المهنية. وأشارت إلى أن العديد من المدارس اللبنانية، رغم الظروف الصعبة، رفضت السقوط وتمسكت برسالتها الوطنية، بفضل شراكات فاعلة مع المجتمع المحلي.

ولفتت إلى أن منطقة الضنية تشكل نموذجًا لهذه التجارب الصامدة، مشيدة بدور الاغتراب اللبناني، ولا سيما جمعية أبناء الضنية الخيرية في سيدني، في دعم المدرسة الرسمية والمشاريع التربوية والتنموية. كما عرضت نتائج زيارتها إلى أستراليا، حيث جرى البحث في دعم البرامج التعليمية وتأمين منح للطلاب وتعزيز الحوكمة والجودة في القطاع التربوي.

وشددت الوزيرة على أن وزارة التربية لم يعد مسموحًا لها إدارة التعليم بمنطق التجزئة أو ردود الفعل الظرفية، مؤكدة أن مسؤوليتها اليوم هي الإمساك ببوصلة الجودة، والحوكمة، والشفافية، وتمكين التربويين، وبناء شراكات مسؤولة تخدم رؤية وطنية واضحة.

ودعت إلى العمل المشترك لوضع معايير وطنية ملزمة للجودة، وترسيخ الإدارة الفعالة، وتمكين المعلمين والمديرين من قيادة التغيير، وضمان أن تكون كل شراكة في خدمة المصلحة الوطنية. كما حددت أولويات المرحلة المقبلة، من تعويض الفاقد التعليمي، وتحديث البنية التحتية، وتطوير المناهج، وإنصاف الهيئة التعليمية، وبناء جهاز تربوي مهني محترف.

وختمت كرامي مؤكدة أن أطفال لبنان هم البوصلة التي لا يمكن الحياد عنها، معربة عن أملها بأن تترجم مخرجات اللقاء إلى التزامات عملية وشراكات فاعلة تسهم في نهضة التعليم وبناء وطن قوي بأبنائه.

وتخللت الجلسة الأولى مداخلات لكل من مدير مدرسة قرصيتا الرسمية محمد عيسى، ومدير ثانوية بيت الفقس الرسمية عبد الفتاح هاشم، ومدير معهد بخعون الفني الرسمي الدكتور علي إسماعيل، ورئيس قسم الامتحانات في المنطقة التربوية في الشمال محمد حسون، أعقبها حوار مفتوح مع الوزيرة.

أما الجلسة الثانية، التي ترأسها المدير العام لوزارة التربية فادي يرق، فتضمنت كلمة للمفتش التربوي المتقاعد الدكتور أحمد الصمد بعنوان التعليم الأساسي مشكلات وحلول، تلتها مناقشة مع الحضور أجاب خلالها يرق عن الأسئلة المطروحة.