موقع متخصص بالشأن التربوي اللبناني

المدارس الخاصة خارج القانون: مراجعة رئاسية تكشف عمق الأزمة التربوية

الأحد 20 نيسان 2025
الكاتب: فاطمة نورالدين

في لحظة مفصلية من الصراع التربوي القائم، لجأ رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى المجلس الدستوري لمراجعة قانونين يتصلان بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وضبط موازناتها، في محاولة لتفسير بعض أحكامهما بما يسهّل تطبيقهما. مراجعة تبدو في ظاهرها تقنية، لكنها تُخفي خلفها معركة حقيقية بين الحقوق الدستورية والواقع الملتوي الذي تفرضه المؤسسات التعليمية الخاصة، والتي تحاول منذ عقود التحرر من أي رقابة أو التزام قانوني.

خلف المراجعة: مواد دستورية وأزمات مزمنة

ما يدفع إلى التساؤل هو التوقيت والدوافع. فالمراجعة تأتي بعد أن أقدم رئيس الحكومة نواف سلام على نشر القانونين رسميًا، بعد أن حالت ضغوط المدارس الكاثوليكية والبطريركية المارونية سابقًا دون نشرهما في عهد الحكومة السابقة. القانون المعني يُفترض أن يحمي مبدأ المساواة في الحقوق (المادة 7 من الدستور)، ويكرّس حرية التعليم ضمن الأطر التنظيمية التي تحددها الدولة (المادة 10). إلا أن الواقع التربوي يشهد عكس ذلك تمامًا.

المدارس الخاصة، وعلى رأسها الاتحاد الذي يمثّلها، ما انفكّت تمارس سياسات تهرّب مكشوفة من القوانين، مستخدمة نفوذها للضغط على السلطات وتفريغ النصوص من مضمونها. والمثال الأبرز، محاولاتها المتكررة لإفراغ القانون رقم 2 من بنوده التي تحفظ حقوق المعلمين، لا سيما المتعاقدين منهم، من خلال اقتراح تعديلات جوهرية تهدف إلى إبقاءهم خارج صندوق التعويضات، وتجريدهم من أي حماية مالية أو قانونية.

العقود الهشة والحقوق المهدورة

ما يجري في كواليس المدارس يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى احترامها لأبسط الحقوق. فالمعلمون المتعاقدون يُعاملون كمستخدمين مؤقتين، يمكن الاستغناء عنهم في أي لحظة، بلا تعويض ولا محاسبة. العقود قابلة للتعديل والانقلاب في أي وقت، والتحايل على القانون هو القاعدة وليس الاستثناء.

أحد المعلمين، بعد سنوات طويلة من الخدمة، فوجئ بصرفه من دون إنذار، بعد أن حولت مدرسته عقده إلى تعاقد جزئي، وتوقفت عن دفع اشتراكاته للصندوق منذ سنوات. وحين طالب بحقوقه، طُلب منه التوقيع على ما قيل إنه براءة ذمة، ليتبين لاحقًا أنها إقرار كامل بإسقاط كل مطالبه. إنها حالة من العجز القانوني المتكرر، حيث لا يملك المعلمون أدوات للمحاسبة ولا قدرة على اللجوء إلى القضاء المكلف والبطيء.

هيمنة مالية وتلاعب بالموازنات

لا تقف المعضلة عند حدود العقود والحقوق، بل تتعداها إلى ما هو أخطر: إدارة مالية مبهمة وموازنات مدرسية مضخّمة تُفرض على الأهالي دون شفافية. أقساط تُرفع سنويًا بحجج غير واضحة، وتُدرج ضمنها بنود لتعويضات وهمية، تُستخدم للتغطية على مخالفات داخل المؤسسات. دراسات قامت بها بعض لجان الأهل أظهرت نماذج من التلاعب، مثل تسجيل معلمين غير موجودين فعليًا أو مبالغات في عدد ساعات التدريس، وحتى استخدام عمال خدمات كأعضاء في الكادر التعليمي.

هذه الممارسات، إلى جانب استبعاد المتعاقدين من أي تصريح رسمي، تتيح للمدارس رفع الأقساط دون مبرر قانوني، وتمنع الأهالي من المطالبة بحقهم في مراجعة الموازنات أو الاعتراض على المصاريف المفترضة.

من دعم الدولة إلى استنزافها

المفارقة الكبرى أن الدولة نفسها، التي تُفترض أن تكون الضامن الأول لحسن سير العملية التربوية، تتحول إلى ممول غير مباشر لهدر المال العام. فالمنح المدرسية التي تُصرف من مؤسسات رسمية كصناديق التعاضد وتعاونية الموظفين تواكب ارتفاع الأقساط تلقائيًا، من دون تدقيق في كيفية صرفها أو وجهتها الحقيقية.

وبذلك، بدل أن تفرض الدولة رقابتها لحماية المعلم والأهالي، تكرّس واقعًا تربويًا مختلًا، تُكافأ فيه المدارس التي لا تطبق القوانين بمزيد من الدعم والتسهيلات، في ظل غياب كامل لأي آلية رقابة فعالة على الصناديق أو العقود أو حتى المعايير التعليمية.

نحو إعادة تصويب البوصلة التربوية

في المحصلة، ما يجري في قطاع التعليم الخاص لم يعد يُحتمل، ويتطلب وقفة جدية من الدولة ومن القوى السياسية والنقابية. المطلوب ليس فقط تأكيد دستورية القوانين، بل إنشاء آليات تنفيذ حازمة تضع حدًا لفوضى العقود، وتمنع تحويل التعليم إلى سلعة يتحكّم بها أصحاب النفوذ.

الحقوق التعليمية لا تُصان بالشعارات، بل بالأنظمة الواضحة والرقابة الفعلية، وبإعادة الاعتبار للمعلم الذي يشكّل حجر الأساس لأي نظام تربوي. ما لم تتحمّل الدولة مسؤولياتها، فالأزمة لن تتوقف، بل ستتفاقم، ليبقى التعليم الخاص رهينة منطق الربح على حساب العدالة والكرامة.