الحقيبة المدرسية و«ما بداخلها»... كابوس مالي للأهالي على مشارف أيلول
الأربعاء 23 آب 2023
تعج المكاتب في لبنان على بعد أيامٍ من شهر أيلول بالأهالي الذّين يسعون لتأمين اللوازم المدرسية لأولادهم قبل أسابيع من بداية العام الدراسي الجديد الضبابي في بلدٍ لا يمكن توقع ما سيحدث فيه غدًا فربما أسودًا سيكون كسابقاته أو أبيضًا بعد سلسلة القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء لحلّ الأزمات في القطاع الرسمي ورفع الأقساط المدرسية بالدولار في المدارس الخاصة.
فبعد أنّ رضخ الأهل أمام واقع الأقساط المدرسيّة المكلفة، ظهر عبأ اللوازم المدرسية التي يحتاجها التلميذ ليزيد من الضغوطات الماليّة عليهم بسبب ارتفاع أسعار الكتب المدرسية والقرطاسية والزيّ المدرسي وغيرها من الأشياء التي تفرضها المدارس على الأهل في بداية كلّ عام دراسي جديد.
وكحال الأقساط والكتب المدرسية المستوردة والتابعة لدور النشر الخاصة، جميع المستلزمات المدرسية من الحقيبة الى قلم الرصاص تسعّر بالدولار الأميركي حصرًا فلن تكون تجهيزات العام الدراسي هذا العام أحسن حالًا من أقساطه.
حقيبة المدرسية واحدة براتب موظف رسمي
في اتصال لنا مع أكثر من مكتبة، أكدوا جميعهم أنّ سعر الحقيبة المدرسية بلغ قرابة الـ50$ دون أيّ مستلزمات أخرى ودون الكتب التي ستوضع داخلها، أما القرطاسية من أقلام ودفاتر وغيرها من المستلزمات، ارتفعت أسعارها بنسبة 10 الى 15%، وأصبحت لا تقل كلفتها عن الـ50$ أيضاً للطفل الواحد في المرحة الابتدائية أيّ ما يساوي ال100$ التي تعادل قيمتها رواتب العاملين في القطاع الرسمي.
فالآباء الذين لديهم ما يقارب 3 أبناء في المدرسة يجب أنّ يجهزوا مبلغًا بقيمة ال600$ بين كتب وحقائب وزي مدرسي وغيرها من التكاليف المدرسية والأعباء. هذا دون ذكر الأقساط المدرسية ورسوم التسجيل في المدارس الخاصة التي نزح اليها طلاب الرسمي بشكلٍ عكسي بعد المشاكل والاضرابات التي مُني بها قطاع التعليم الرسمي في العام المنصرم والتي جعلته عامًا يفتقر الى جودة التعليم.
يحاول الأهالي تأمين الأعباء المدرسية بما تيسر أو بما «استُعمل» في السنوات السابقة، فمثلًا، لجأ بعض أصحاب المكتبات الى شراء الحقائب المستعملة ويبيعها بنصف السعر للأهالي الذين ليس لديهم قدرة على دفع مبلغٍ يوازي راتبهم الشهري أو أنّ بعضهم رأى أنّ حقيبة السنة الفائتة لا زالت جيدة للخدمة سنةً أخرى.
الكتب المستعملة… مطلب الأهالي الأول
كما أكد عدد من الاهالي أنهم يلجؤون لشراء الكتب المستعملة لتوفير بعض الأموال، أما عن الكتب الجديدة، فبحسب أصحاب المكاتب فأسعارها لم تعد مدعومة لكنها لن تزيد عن السنة الماضية بسبب اتفاقٍ أبرمته دور النشر اللبنانية مع المعنيين في الشأن التربوي.
بالطبع هنا لا نتكلم عن الكتب الرسمية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والانماء والتي تعتبر أسعارها مقبولة للأهالي وتعتمد في المدارس الرسمية وفي بعض المراحل والمواد في المدارس الخاصة التي تعتمد على كتبٍ مستوردة والتي تكون تكلفتها عالية جدًا وطبعًا لن ينهي الطلاب الكتاب الواحد خلال السنة الدراسية لكن غاية الربح في المدارس الخاصة تتفوق أحيانًا على أهمية التعليم وقداسته.
هذا عدا عن رفض بعض المدارس للنسخ المستعملة بحجة أنّها «طبعة قديمة» بعد اصدار دور النشر غلافًا جديدًا للكتاب بالمضمون نفسه فالغلاف الجديد يفرض على الأهالي دفع ما يقارب الـ 10 الى 15$ للكتاب الواحد بسبب خدعة الغلاف التي تعتمدها دور النشر والمدارس للتخلص من النسخ القديمة وزيادة الأرباح.
هكذا نكون قد أضفنا همًا جديدًا على عاتق الأب اللبناني الذّي بالكاد يتجاوز صدمات الغلاء والارتفاع المفاجئ في أسعار البضائع، عدا عن فواتير الانترنت والكهرباء والمولدات والطبابة التي لا تغطي الدولة منها جناح بعوضة.
من القرطاسية الى النقل المدرسي… أعباءٌ فوق أعباء
لا يقل موضوع النقل أهميةً عن الكتب والقرطاسية، فكلفة النقل من وإلى المدرسة همٌ يستمر لتسعة أشهر بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والتي يتغير وإياها كلفة النقل شهريًا في حين قد تلجأ بعض المدارس الى جعل الرسم يومي فالعطل وأيام الغيابات لا تكون ضمن فاتورة النقل الذّي تبلغ كلفته الـ 70$ شهريًا للطفل الواحد وترتفع حسب المنطقة وبعدها عن المدرسة.
هكذا لجأ الكثيرون الى البحث عن مدارس يكون الوصول اليها سيرًا على الأقدام للاستغناء عن تكلفة النقل التي تفرض على الأهل قسطًا من نوعٍ آخر. فإذا ما نظرنا الى الوضع الاقتصادي الذّي يمر به لبنان والى الارتفاع الجنوني في الأقساط المدرسية التي لم يتحرك لأجلها أيّ مسؤول بالإضافة الى مصاريف التسجيل ومستلزمات الدراسة وكلفة النقل، نجد أنّها تحتاج الى 10 أضعاف ما يتقاضاه موظفٌ في القطاع الرسمي.
حتى أنّ اللجوء الى المدارس الرسمية، لم يعد محبذًا بعد المعاناة التي عاشها طلاب الرسمي بسبب الإضرابات فلم يفتح هؤلاء كتبهم المدرسية سوى 3 أو 4 أشهرٍ من أصل أشهر العام الدراسي عكس المدارس الخاصة التي رفعت أقساطها والتي تغير سنويًا لائحة الكتب لتزيد من المصاريف على عاتق الأهل.
إذا ألا تنذر جميع هذه المصاعب بخطر التسرب المدرسي في المناطق الأكثر فقرًا وما أكثرها، فالوالد الذّي يربي 4 أطفال وقد يكون عاجزًا عن تأمين رسم التسجيل كيف سيؤمن المستلزمات الأخرى؟ قد يضطر الى عدم تسجيل أولاده في المدرسة أو تعليمهم أساسيات القراءة والكتابة. ذلك لأن التعليم في لبنان كما باقي الأساسيات أصبح حكرًا على المقتدرين ولأنّ التعليم الرسمي كرس هشاشةً أخافت الأهل من تكرار عامٍ أمضاه أطفالهم في البيت أو في الأزقة.