الكتاب المدرسي...سلعة مستجدة في السوق السوداء
الجمعة 22 أيلول 2023

كغيره من السلع التي أثرت عليها الأزمة الاقتصادية، صار الكتاب المدرسي اليوم حديث الساعة في أوساط المدارس وأروقة المكتبات، فإذا مررت بإحداها ستجد أبًا يحاكي نفسه أو أمًا تحاول مقايضة كتاب ابنها القديم بكتابٍ قديمٍ استهلكه طفلٌ آخر لأنّه «أوفر». فالكتاب المستعمل اليوم بات مطلب الجميع بعد أن كان خيارًا أخيرًا للأهالي من قبل.
يؤكد أصحاب المكتبات أنّ السنة لا تشبه سابقاتها وأنّ موسم المدارس هذا العام لا مثيل له لناحية الغلاء والكتب المستعملة وغياب الكتاب الحكومي ودولرة الأقساط وغيرها من العناوين التي تسيطر على «أيلول المدارس». فالإقبال على الكتب المستعملة اليوم أعلى من السنوات السابقة حيث أنّ الأهالي يعتبرون شراء الكتاب الجديد حلا أخيرًا في حال لم يعثروا على نسخة قديمة أو أنّ دار النشر غيّر طبعة الكتاب.
وهنا، يصبح الأهل تجارًا يبيعون كتب أولادهم المستعملة ليقايضوها بأخرى تناسب المرحلة الدراسية لأطفالهم، ومنهم من يذهب الى المكاتب لبيعها وتبديلها بأخرى لتبدأ معركة الأخذ والرد بين العاملين في المكتبة والأهالي على سعر الكتاب وقيمته ومدى نظافته وصلح استخدامه. هذا لأن أسعار بعض الكتب الجديدة تجاوزت ال50$ للكتاب الواحد.
موسم الكتب لا كتب فيه
يتحدث أحد أصحاب المكتبات عن غياب النسخ الجديدة من الكتب الرسمية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو ما جعل عمليات العثور على نسخ مستعملة صعبة فالمدارس الخاصة حتى ولو كانت تعتمد دور النشر الخاصة، لا تتخلى عن الكتاب الرسمي في بعض المواد. وأصبح تأمين الكتاب الرسمي صعباً في حين قد يقضي الأهل أيامًا من الذهاب الى المكتبات لشرائها دون جدوى، وهكذا أصبح الكتاب الرسمي سلعةً كالبنزين والدولار يُتداول بها في السوق السوداء.
وكما جميع القطاعات في لبنان، يستفيد أرباب المدارس من هذه الأزمة ليبيع بعضهم الكتب الرسمية بأسعار مرتفعة فلا يكفي هؤلاء الأقساط التي رفعوها بشكلٍ هستيري، بل يريدون جباية الأموال من جميع الجهات فهم أيضًا يتقاضون رسوم إضافية لقاء توزيع القرطاسية والدفاتر بالإضافة الى بعض الكتب التي تصدرها المدرسة بنسخٍ حصرية خاصة بها فقط.
خلال لقاءٍ أجريناه مع إحدى أصحاب المكاتب والعاملين فيها، أكد هؤلاء أنّ هذا الموسم لا يعد كغيره من المواسم ، فبسبب الأزمة تراجعت ساعات العمل فأصبحت المكاتب تفتح في الساعة التاسعة بعد انّ كانت تفتح في الساعة السابعة في السنوات السابقة وتغلق الساعة التاسعة مساءًا بعد أنّ كانت تعج بالأهالي حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
أسعار الكتب ثابتة بالدولار ولكن…
حسب المعنيين، لم تتغير أسعار الكتب بالدولار بين السنة الماضية والسنة الحالية بحسب الاتفاق الذّي عقدته الوزارات المعنية ودور النشر لكن ما صنع الفارق هو ارتفاع سعر صرف الدولار فبعد أنّ كان سعر الصرف يتراوح بين ال18000 وال30000 ألف ليرة لبنانية في العام الماضي ارتفع الى 89000 الف ليرة لبنانية وقد تسعر بعض المكتبات الدولار حسب سعر صرف 100000 ليرة لبنانية.
أما فيما يخص أسعار الكتب للطفل الواحد قد تصل الى 250$ وهو ما يفوق الأجر الشهري للموظفين العاديين، فكيف بالعائلات التي لديها 3 أو 4 أطفال، فبالإضافة الى الأقساط العالية تأتي الكتب لتزيد الأعباء على الأهالي وهو ما يبرر لهم الأخذ والرد في المكتبات ومحاولة بيع ما لديهم من الكتب المستعملة لتأمين العلم لأولادهم.
الطبعات الجديدة… لاستمرارية دور النشر
يعتبر الأهالي انّ الطبعات الجديدة التي تصدرها دور النشر من الكتب هي فقط بهدف الربح وأنّ مضمون الكتاب لا يتغير لكنه يفرض عليهم شرائها فالمدارس لا تقبل بطبعة قديمة من كتاب تم تجديده وهو اتفاق طبيعي بين المدارس ودور النشر الذّي ينص أيضًا على أنّ تباع أجزاء الكتب مع بعضها وعدم السماح بشراء جزء واحد فقط.
تحتاج دور النشر الى تجديد طبعات الكتب إمّا لتصحيح أخطاء مطبعية أو كتابية أو لتجديد المعلومات والمناهج رغم انّ المناهج لم تجدد منذ تسعينات القرن الماضي لكن تقليص المناهج ساهم ببعض التغييرات. وتعتبر دور النشر هذه الخطوة ضرورية لاستمراريتها فإذا لم تغير الطبعة كل سنتين الى خمسة، زادت الكتب المستعملة في الأسواق ما سيقلل من أرباحها وسيؤدي الى إفلاسها.
هذا وذكروا أيضًا أنّ هناك بعض الكتب القديمة عادت الى التدريس وأصبحت على لوائح المدارس بعد زمنٍ من نسيانها. تستهجن هدى، معلمةٌ لديها 3 أطفال من استخفاف المدارس بالكتب الرسمية رغم أنًها صادرة عن المركز المعني بوضع وصياغة المناهج التربوية وهي من أفضل الكتب من حيث الجودة والمعلومات.

القرطاسية كما الكتب…عبءٌ يزيد
تختلف أسعار القرطاسية في المكتبة الواحدة حسب النوعية والماركة ولكن ما يؤكده أصحاب المكتبات أنّ الأهل يذهبون الى شراء الماركات ويدفعون أسعارًا عالية بينما يتوجه البعض الى القرطاسية ذات الأسعار المقبولة. يمكننا أنّ نصف هذه الظاهرة بالتعود فالأهالي تعودوا على ماركات معينة حيث يفضلون شرائها وإنّ كانت أسعارها أعلى.
الكتاب يغيب عن الورشة التربوية
اللافت أنّ موضوع الكتب المدرسية وغلائها وغياب الكتاب الرسمي الجديد لم يذكر في جلسات لجنة التربية التي تناولت كافة موضوعات الشأن التربوي وبحثت في كافة مشاكل القطاع. رغم أنّها تناولت أزمة دولرة الأقساط وأجور المعلمين وبدل النقل وتمويل العام الجديد، لماذا غاب موضوع الكتاب عن الورشة؟
ولماذا لا نسمع أيّ تبريرٍ لغياب الكتاب الرسمي أونرى لجانًا تضبط وتراقب لوائح الكتب التي تجاوزت ال250$ في بعض المدارس؟